مع دخول حرب غزة عامها الثالث، تكشف الحصيلة المؤقتة عن مشهد معقد من الخسائر والمكاسب على كافة الأطراف. فبينما تشير الأرقام إلى 80 ألف شهيد فلسطيني و169 ألف جريح، وتدمير نصف القطاع، تجري حاليًا مفاوضات حول إمكانية تسليم حركة حماس للسلاح مقابل الخروج الآمن وإطلاق الأسرى الإسرائيليين.
وفي المقابل، تواجه إسرائيل أزمة سياسية وأمنية داخلية متفاقمة، رغم تحقيقها مكاسب عسكرية واضحة على الأرض، مما يطرح تساؤلات حول طبيعة الانتصار والهزيمة في هذا الصراع المعقد.
بين البطولة والخسائر الفادحة
خاضت حركة حماس على مدى عامين حرب استنزاف شرسة ضد قوة عسكرية متفوقة بشكل كبير، مما أدى إلى خسائر جسيمة في قدراتها العسكرية وبنيتها التنظيمية، وتحولت الحركة من سلطة حاكمة تسيطر على القطاع إلى فصيل يقاتل من وسط الأنقاض في ظروف محاصرة ومعقدة.
رغم الصمود الذي أبداه المقاتلون الفلسطينيون في المراحل الأولى للحرب، تطورت المعركة لتصبح أقرب إلى حرب بقاء منها إلى مقاومة منظمة، خاصة مع انقطاع خطوط الإمداد وتراجع الدعم اللوجستي تحت وطأة الوضع الإنساني المتدهور.
من الناحية العسكرية، نجحت العملية الفلسطينية في السابع من أكتوبر في تحقيق مفاجأة تكتيكية استثنائية، لكنها تحولت مع الوقت إلى أزمة استراتيجية.
واستطاعت القوات الإسرائيلية تفكيك البنية العسكرية المنظمة للحركة وفرض سيطرة واسعة على معظم أنحاء القطاع.
سياسيًا، فقدت الحركة عدة أوراق مهمة كانت تمثل مصادر قوتها، بما في ذلك السيطرة الإدارية على غزة، والتحكم في ملف الأسرى، إضافة إلى تراجع الدعم الشعبي في ظل الكارثة الإنسانية الواسعة.
ويرى محللون أن قبول الحركة بالتفاوض حول تسليم السلاح والخروج الآمن يشكل تطورًا مهمًا قد يعكس إدراكًا لصعوبة الوضع الميداني، في تطور يذكر بخروج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982.
انتصار عسكري وتحديات متعددة
حققت القوات الإسرائيلية مكاسب عسكرية واضحة من خلال تدمير جزء كبير من القدرات القتالية لحماس والقضاء على آلاف المقاتلين، لكن هذه المكاسب لم تترجم إلى نصر حاسم وشامل، حيث لا تزال عناصر من الحركة تواصل أنشطتها، فيما يدير بعض القيادات العمليات من خارج القطاع.
وخاضت القوات الإسرائيلية أطول حرب في تاريخها الحديث، مما أثر على قدراتها وجاهزيتها، خاصة في ظل التوتر المستمر على الحدود الشمالية مع لبنان.
التحديات الأمنية والسياسية
رغم التفوق العسكري الواضح، لم تنجح إسرائيل بشكل كامل في استعادة هيبة الردع التي تضررت بشدة في السابع من أكتوبر. وتواصل الدولة العبرية مواجهة تساؤلات حول الإخفاق الاستخباراتي الذي مكّن من تنفيذ العملية رغم الحصار المفروض على القطاع منذ سنوات.
على الصعيد السياسي الداخلي، تشهد إسرائيل أزمة عميقة تتمثل في غضب شعبي متزايد تجاه حكومة بنيامين نتنياهو، ومطالبات واسعة بالتحقيق في إخفاقات السابع من أكتوبر، إضافة إلى انقسامات حول أهداف الحرب ونطاقها الزمني والجغرافي.
على المستوى الدولي، واجهت إسرائيل تراجعًا في صورتها العامة بسبب العمليات العسكرية الواسعة في غزة والخسائر المدنية الكبيرة. وأثر ذلك على علاقاتها مع الحلفاء التقليديين، خاصة في أوروبا، فيما بدأت تواجه دعاوى قضائية في المحافل الدولية حول جرائم الحرب المزعومة.
بعد عامين من القتال المكثف، تظهر الحصيلة تعقيدًا واضحًا في تحديد الرابح والخاسر.
فمن جهة، خرجت حماس مدمرة ومحاصرة، لكنها تحتفظ ببعض الحضور الرمزي في الوعي الشعبي الفلسطيني والعربي، ومن جهة أخرى، حققت إسرائيل مكاسب عسكرية واضحة، لكنها تواجه تحديات سياسية ودبلوماسية معقدة.
أما الخاسر الأكبر فيبقى الشعب الفلسطيني في غزة، الذي دفع ثمنًا باهظًا من الأرواح والدمار، في وقت تحولت فيه القضية من صراع سياسي إلى أزمة إنسانية طاحنة.
تشير المعطيات المتاحة إلى أن الحرب الأخيرة، لم تحقق انتصارًا واضحًا لأي طرف بالمعنى التقليدي، فبينما تمكنت إسرائيل من إضعاف حماس عسكريًا، فشلت في حل الأزمة جذريًا أو تحقيق أهدافها السياسية بالكامل، وفي المقابل، نجحت حماس في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية، لكن بثمن بشري ومادي فادح.
ويبقى السؤال المحوري حول إمكانية تحول هذه التطورات إلى حل سياسي مستدام، أم أنها ستشكل مقدمة لجولات صراع جديدة في المستقبل، خاصة مع استمرار الأسباب الجذرية للنزاع دون معالجة شاملة.