الأوسط نيوز: قسم الدراسات والتحليلات السياسية
يشهد المشهد الإقليمي تحولات متسارعة، خاصة فيما يتعلق بالملف اليمني والصراع الدائر بين السعودية وجماعة الحوثي. رغم المحاولات السعودية السابقة لفرض تهدئة مع الحوثيين والسعي نحو حلول سياسية، إلا أن التطورات الأخيرة في البحر الأحمر، وعودة الولايات المتحدة إلى تصعيد الموقف تجاه الحوثيين، تثير تساؤلات حول احتمالية عودة السعودية بضغط أمريكي لدعم الحكومية الشرعية لاستعادة مؤسسات الدولة اليمنية. في هذا التحليل، سنتناول العوامل التي تؤثر على القرار السعودي، الموقف الأمريكي، والسيناريوهات المحتملة.
من الحرب إلى التهدئة ثم الحذر
في بداية تدخلها العسكري ضمن التحالف العربي عام 2015، كانت السعودية تقود حربًا مباشرة ضد الحوثيين بهدف إعادة الشرعية للحكومة اليمنية، لكن مع مرور السنوات، بدا أن الصراع العسكري استنزف الرياض سياسيًا واقتصاديًا، مما دفعها إلى إعادة تقييم استراتيجيتها.
خلال 2022 و2023، شهدنا جهودًا سعودية حثيثة للتهدئة، وصلت ذروتها مع المفاوضات المباشرة مع الحوثيين في مسقط والرياض.
بداية 2024، اقتربت السعودية من توقيع اتفاق سلام وفقًا للشروط الحوثية، في خطوة كانت ستشكل تحولًا جذريًا في الصراع، كضربة كبيرة للحكومة الشرعية اليمنية، بسبب الضغوط الأمريكية والبريطانية حينها على السعودية بأهمية
رفضت السعودية الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر، مما يعكس رغبتها في النأي بنفسها عن تصعيد جديد في المنطقة، وهذا يشير إلى أن عودتها إلى تحالف عربي عسكري لدعم الشرعية في اليمن، معتمد على شروط ستطرحها أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، أهمها أن يستمر الدعم السياسي واللوجستي، إضافة إلى ضمان حماية أمنها، ودعم المملكة بالأسلحة المناسبة.
أولويات السعودية
تسعى السعودية إلى التركيز على الاقتصاد ومشاريعها التنموية الكبرى، مثل رؤية 2030، واستضافة كأس العالم 2034. ولذلك، فإن الدخول في معركة عسكرية جديدة ضد الحوثيين قد يكون عبئًا غير مرغوب فيه.
رؤية 2030 تتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا حتى تتمكن المملكة من جذب الاستثمارات الأجنبية.
استضافة كأس العالم 2034 يتطلب صورة مستقرة للمملكة في المجتمع الدولي، مما قد يفسر سعي الرياض إلى “تصفير الخلافات”، كما يرى بعض المحللين.
من الدبلوماسية إلى التصعيد
في خطوة تعكس تغير الموقف الأمريكي، أعادت إدارة الرئيس جو بايدن تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية. هذه الخطوة تشير إلى نية أمريكية لتصعيد المواجهة ضد الجماعة.
هذا التصنيف يعني فرض عقوبات مشددة على الحوثيين، مما قد يضعف قدرتهم على التمويل والتسليح.
التصنيف قد يضغط على السعودية لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه الحوثيين، خاصة مع تزايد الهجمات على السفن في البحر الأحمر.
واشنطن أعلنت عزمها القضاء على “القدرات الحوثية”، مما يثير تساؤلات حول مدى استعداد الولايات المتحدة للقيام بعمليات عسكرية مباشرة.
في حال قررت أمريكا تنفيذ ضربات جوية مكثفة ضد الحوثيين، فقد تطلب دعمًا لوجستيًا واستخباراتيًا من السعودية.
ومع ذلك، لا يبدو أن واشنطن تضغط على الرياض للانضمام إلى حملة عسكرية موسعة، على الأقل في الوقت الحالي، حتى منذ أن تسلم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة بشكل رسمي، لم يتحدث إطلاقًا عن الحوثيين علنًا سوى إعادتهم إلى قائمة المنظمات الإرهابية.
غير أن وزير الخارجية الأمريكية ماركو روبيو، كثف في بداية تنصيبه في مهاه، اتصالاته للحكومة اليمنية، معلنًأ دعم بلاده لأي تحرك يمني ضد الحوثيين، يهدف للقضاء على قدراتهم العسكرية، لكن حتى الان لا يوجد أي ردود يمنية فعلية على العرض الأمريكية.
السيناريو المحتمل
قد تقرر السعودية الانضمام إلى حملة عسكرية بقيادة الولايات المتحدة، إما بسبب الضغط الأمريكي أو نتيجة تهديدات مباشرة لأمنها، وهذا لنيكون إلا بوجود مبررات، من ضمنها استمرار الهجمات الحوثية.
في حال استمر الحوثي في تهديد أمن الملاحة، ستكون هناك ضغوطًا أمريكية لإجبار السعودية على لعب دور قيادي في المواجهة العسكرية.
النأي بالنفس والتركيز على التهدئة
قد تواصل السعودية نهجها الحالي، مفضلة الحلول الدبلوماسية على التصعيد العسكري، بمبررات
أولًا: رغبة السعودية في تجنب حرب جديدة قد تعطل مشاريعها الاقتصادية والتنموية.
ثانيًا: إمكانية الاعتماد على الولايات المتحدة والتحالف الدولي في التعامل مع الحوثيين عسكريًا دون التورط المباشر.
ثالثًا: الحفاظ على التفاهمات التي تمت خلال المحادثات السابقة مع الحوثيين.
لكن ذلك قد يؤدي إلى انتقادات أمريكية أو اتهامات بعدم تحمل المسؤولية في مواجهة التهديدات الإقليمية، بينما قد يفسر الحوثيون ذلك على أنه ضعف سعودي، مما قد يدفعهم لمزيد من التصعيد ضد المملكة العربية السعودية.
نهج التوازن
قد تختار السعودية نهجًا وسطًا بين الخيارين السابقين، حيث تقدم دعمًا لوجستيًا أو استخباراتيًا محدودًا للعمليات الأمريكية دون الدخول في معركة مباشرة، لعدة أهداف أهما.
• الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة دون المخاطرة بمشاريعها الاقتصادية.
• إبقاء خيار التصعيد مفتوحًا إذا تفاقمت التهديدات الحوثية.
• توجيه جهودها نحو دعم الحكومة اليمنية الشرعية بدلاً من الدخول في حرب مباشرة.
قد يكون هذا الخيار هو الأكثر واقعية، لكنه قد لا يكون كافيًا لردع الحوثيين بشكل كامل
الخلاصة:
في ظل الظروف الراهنة، يبدو أن السعودية تميل إلى تجنب تصعيد جديد مع الحوثيين، مفضلة التركيز على التنمية الاقتصادية واستضافة الفعاليات العالمية مثل كأس العالم 2034. ورغم الضغوط الأمريكية والتطورات في البحر الأحمر، فإن الرياض لا تبدو مستعدة لقيادة معركة عسكرية واسعة النطاق ضد الحوثيين.
ومع ذلك، فإن التطورات المستقبلية، سواء عبر تصعيد الحوثيين لهجماتهم أو ضغوط أمريكية متزايدة، قد تجبر السعودية على إعادة النظر في موقفها. لذلك، فإن السيناريو الأكثر احتمالًا هو أن تحاول الرياض الموازنة بين تجنب حرب جديدة، والحفاظ على دورها الإقليمي بالتعاون مع الولايات المتحدة بشكل محدود.
في النهاية، يبقى القرار السعودي مرتبطًا بتطورات المشهد الإقليمي والدولي، ومدى قدرة المملكة على تحقيق توازن بين أمنها القومي وأولوياتها الاستراتيجية طويلة المدى.