الثلاثاء, أبريل 15, 2025

لماذا لن تدوم رسوم ترامب الجمركية طويلًا؟

قبل أسبوعين، قدمت رؤية تضمنت خمسة سيناريوهات متفائلة محتملة للاقتصاد العالمي، كان أبرزها «تراجع ترامب عن سياساته الحمائية المتعلقة بالرسوم الجمركية».

لكن بعد إعلان الرئيس الأمريكي عن حزمة رسوم جمركية غير مسبوقة على الواردات، أجدني مضطراً للعودة إلى ذلك السيناريو، بعد أن استقصيت خلال الأيام الماضية مختلف المؤشرات والحجج التي تدعم فرضية أن المستويات المرتفعة للرسوم الجمركية الأمريكية لن تدوم طويلاً، وإليكم خلاصة ما توصلت إليه من نتائج.

أولاً، الوطأة الشديدة للألم الاقتصادي، حيث يتوقع غالبية المحللين أن تتسبب حزمة الرسوم الجمركية التي أقرها ترامب، في ارتفاع الأسعار، وتباطؤ الحركة الاقتصادية على المدى القريب، غير أن البيت الأبيض ربما بالغ في تقدير قدرته على مقاومة الضغوط السياسية، عندما تبدأ تلك الرسوم بالتأثير الفعلي.

وتشهد ثقة المستهلكين تراجعاً ملحوظاً، توقعاً للأوقات الصعبة المقبلة، لكنها ستنهار بشكل حاد، عندما تضرب الموجة الأخيرة من الرسوم سلاسل التوريد بالفعل.

وتشكل السلع المعمرة وغير المعمرة، كالمواد الغذائية والملابس، نحو 30 في المئة من إنفاق الأسر الأمريكية، حيث ستتأثر بمستويات متفاوتة جراء الرسوم المرتفعة، (وعلى سبيل المثال، تشير بعض التقديرات إلى احتمالية أن يقفز سعر هاتف آيفون 16 برو ماكس، من 1,599 دولاراً إلى 2,300 دولار، في حال تم تمرير كامل تكاليف الرسوم الجمركية إلى المستهلكين).

وكانت الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، قبل الثاني من أبريل، قد دفعت بالفعل أسعار الشركات المصنعة إلى الارتفاع، ومع اتساع نطاق الحزمة الأخيرة وشمولها، فقد يرتفع التضخم بمعدلات أسرع وأعلى من المتوقع، إذ تُحد الرسوم الشاملة من قدرة الموردين الأمريكيين على إيجاد بدائل أرخص بسرعة، فيما تتوقع وحدة أبحاث أليانز أن نحو ثلثي الشركات ستضطر لتمرير الزيادات إلى المستهلكين.

كذلك ستتراكم التأثيرات غير السعرية لأجندة ترامب، حيث بلغت إعلانات تسريح العمال المرتبطة بما يُعرف بـ «وزارة الكفاءة الحكومية»، أكثر من 280 ألف حالة خلال الشهرين الماضيين، في حين ستعمل الرسوم القائمة وحالة عدم اليقين، على تقييد خطط التوظيف والاستثمار.

ويأتي هذا ليضاف إلى المخاوف الاقتصادية التي سبقت عودة ترامب للحكم، فمن الجدير بالذكر، أن الأسعار ارتفعت بنسبة 20 في المئة في المتوسط، منذ مطلع يناير 2021 (مع معاناة السلع الأقل تكلفة من معدلات تضخم أعلى)، وتتزايد أزمات الديون في الولايات الجمهورية (والتي قد تتفاقم إذا حافظ الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول، لمواجهة دوامات التضخم المرتبطة بالرسوم)، وعليه، فإن قدرة الأمريكيين على تحمل المزيد من الآلام الاقتصادية السريعة، أقل بكثير مما يعتقد الرئيس الأمريكي.

وسيتفاقم هذا الوضع بسبب النهج الذي ستتبناه الدول الشريكة تجارياً في ردودها المضادة، فالاتحاد الأوروبي – على سبيل المثال – يعكف حالياً على وضع رسوم تستهدف الولايات ذات الأغلبية الجمهورية، بما فيها فرض رسوم على فول الصويا في لويزيانا، ولحوم البقر في كانساس، والمنتجات الزراعية في ألاباما، رداً على رسوم ترامب على الصلب والألمنيوم.

وتكمن أهمية ذلك، في كون نسب التأييد الشعبي تتحرك بالتوازي مع مؤشرات ثقة المستهلك، خاصة بين الجمهوريين، حيث تظهر البيانات التي نشرتها صحيفة فايننشال تايمز من استطلاعات ليوغوف، تراجعاً حاداً في التأييد الاقتصادي لترامب بين ناخبيه من غير أنصار حركة «ماغا».

كما بلغت ثقة المستهلكين الجمهوريين بشكل عام الآن، نقطة تحول حرجة.

ومنذ إعلان ترامب عن حزمة الرسوم الأخيرة، اتسعت دائرة الاستياء، فقد أقر مجلس الشيوخ قراراً رمزياً في جوهره لإلغاء الرسوم المفروضة على كندا، بدعم من الجمهوريين.

كما كشفت فايننشال تايمز عن تصدع بدأ يظهر بين قيادات الحزب الجمهوري حول السياسة التجارية، كما حذر السيناتور الجمهوري تيد كروز – وهو من أشد المؤيدين لترامب – من احتمال حدوث «فشل ذريع للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر 2026».

وقد تتخذ الشركات أيضاً موقفاً أكثر جرأة في التعبير.

ويشير ماركو بابيتش، كبير الاستراتيجيين في مؤسسة «بي سي إيه» للأبحاث، قائلاً: «ستواجه الشركات الأمريكية القائمة – التي توظف الأمريكيين بمعدلات أعلى مما قد تحققه أي نهضة تصنيعية نظرية – تكاليف باهظة، وستفقد حصصها في الأسواق الخارجية».

وقد شهدت أسهم كبرى شركات التكنولوجيا والبنوك والصناعة المدرجة في مؤشر «إس آند بي 500» انهيارات حادة، وتكبدت شركة أبل أكبر خسارة في قيمتها السوقية خلال يوم واحد في تاريخها، وستمارس نخبة التقنية وشبكات الأعمال الكبرى، ضغوطاً على معارفها داخل الإدارة، كما ستتأثر المحافظ الاستثمارية لكبار المسؤولين سلباً.

أما أصحاب الأعمال الصغيرة – الذين يوظفون قرابة نصف القوى العاملة في القطاع الخاص، ويمثلون قاعدة انتخابية جمهورية مهمة – فقد بدأوا هم أيضاً يقلصون شعورهم بالتفاؤل، حيث ستكون خطط إلغاء الإعفاءات الجمركية «الضئيلة» عالمياً، مؤلمة بشكل خاص لهم.

وفي ما يتعلق بالأسواق المالية، فسيتطلب الأمر حدثاً استثنائياً لتغيير موقف ترامب، نظراً لاستخفافه الواضح بانهيار أسعار الأسهم حتى الآن.

فهل يمكن لأسواق السندات أن تجبره على تغيير مساره؟ حالياً، تشهد عوائد سندات الخزانة الأمريكية انخفاضاً واضحاً، حيث لا يزال المستثمرون يعتبرونها ملاذات آمنة.

لكن في سيناريو خطير محتمل، قد تتسبب مجموعة من العوامل في حدوث موجة بيع جماعية، خاصة حال تبنّي إجراءات مالية متهورة، مثل تطبيق إجراءات تحفيزية، في ظل إيرادات غير مستقرة من الرسوم الجمركية، أو الاعتماد على وفورات «وزارة الكفاءة الحكومية»، أو توقعات النمو، وارتفاع علاوة الأجل، نظراً لعدم إمكانية التنبؤ بقرارات ترامب، وارتفاع معدلات التضخم، أو توقعات أسعار الفائدة، في حال أصبحت الأسعار المرتفعة واقعاً مستداماً.

وهكذا، من المتوقع أن تتسارع وتيرة الضغوط على ترامب من قبل الأسر والشركات والأسواق والجمهوريين، مع دخول حزمة الرسوم الجمركية حيز التنفيذ الكامل، ما يفتح الباب أمام إمكانية حدوث تأخيرات أو منح إعفاءات أو إقرار تخفيضات قريباً.

وفي محاولة لتلطيف تأثيرات الصدمة الاقتصادية، قد تلجأ الإدارة إلى تسريع إجراءات خفض الضرائب، لكن غاريت واتسون مدير تحليل السياسات في مؤسسة الضرائب، يرى أن الـ 2.9 تريليون دولار المتوقع تحصيلها من الرسوم الجمركية، لن تكفي حتى لتعويض تمديد التخفيضات الضريبية المقبلة على الانتهاء.

وحتى مع افتراض صمود الرئيس أمام العاصفة السياسية، تبقى هناك مسارات عدة لخفض الرسوم، فحالات النقص المؤقتة في السلع، قد تفرض تخفيضات محدودة، إذ يؤكد سيمون إيفنيت، الأستاذ في كلية آي إم دي للأعمال، أن «أي قفزات سعرية ناجمة عن الرسوم على السلع الأساسية، ستدفع نحو تحركات طارئة لخفض الأسعار، وهو ما يتطلب حتماً فتح الأبواب أمام الواردات».

كما يلوح في الأفق سيناريو التراجع الجزئي، في حال قدم الشركاء التجاريون تنازلات كافية، لا سيما أن ترامب أبدى استعداداً للتفاوض بالفعل، وهو ما يدعم توقعات أبحاث أليانز بإبرام صفقات ثنائية متعددة بنهاية العام الجاري، تخفض معدل الرسوم الأمريكية الفعلي بنحو 40 %.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، يراهن ترامب على توطين استثمارات أجنبية داخل الولايات المتحدة، هرباً من الرسوم، غير أن عوامل الوقت والتكلفة، تجعل حدوث طفرة وظيفية واستثمارية سريعة تعوض الخسائر المحلية أمراً مستبعداً، فالمصنعون العالميون يتجنبون بيئات عدم اليقين، ويفضلون سلاسل توريد مستقرة، فضلاً عن عدم معرفتهم بالمدة المتوقعة لاستمرار الرسوم.

كذلك، فإن تحويل أمريكا إلى مركز تصنيع مكتفٍ ذاتياً، يمثل عملية أكثر كلفة وأطول أمداً، وأقل جدوى مما يتصور ترامب، فالصناعة العالمية اليوم، أكثر تشابكاً وتعقيداً، مقارنة بأواخر القرن التاسع عشر، عندما فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية مرتفعة لفترة طويلة.

ويدرك المصنعون العالميون هذه الحقيقة، ومن المرجح أن يختار معظمهم انتظار انقشاع الغبار، ما سيضاعف الضغط على ترامب، كما يعني أن نمو قطاع التصنيع الأمريكي إلى مستوى يصعّب تخفيض الرسوم مستقبلاً، يبقى احتمالاً ضعيفاً، علماً بأن الصناعات الراسخة التي تحظى بحماية حكومية، تميل عادة إلى الضغط للحفاظ على هذه الحماية.

إن الرسوم قد تبقى مرتفعة على المدى القريب، لكن مع تصاعد الألم الاقتصادي السريع، وتزايد الضغوط السياسية، وولع الرئيس بالمفاوضات، تتزايد احتمالات انخفاض الرسوم الجمركية في وقت أقرب مما يتوقعه الكثيرون.

وحتى إذا لم يرضخ ترامب للضغوط خلال فترة ولايته، فمن الصعب تصور كيف يمكن لأي إدارة لاحقة تبرير الإبقاء على هذه الرسوم.

(فايننشال تايمز)

موجز الاسبوع

اعترافات متهمين بتصنيع صواريخ وطائرات مسيرة في الأردن وعلاقتهم بجماعة الإخوان

كشفت قناة "العربية" اليوم الثلاثاء عن اعترافات مصورة لثمانية...

الفوضى في البحر الأحمر.. الأبعاد الاستراتيجية والمصالح المتشابكة

تمثل عمليات ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر ضد السفن...

وول ستريت: تشكيلات عسكرية يمنية تستعد لهجوم بري ضد الحوثيين بدعم أمريكي

كشفت صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير خاص نقلاً...

العلاقة الخفية بين التوتر والسرطان.. ما الذي يقوله العلم الحديث؟

قبل قرابة ألفي عام، قال الطبيبان اليونانيان أبوقراط وجالينوس...

سفن حربية بلا قبطان

في خطوة تكنولوجية لافتة، تعمل شركة ناشئة تُدعى "Blue...

أهم المواضيع

اعترافات متهمين بتصنيع صواريخ وطائرات مسيرة في الأردن وعلاقتهم بجماعة الإخوان

كشفت قناة "العربية" اليوم الثلاثاء عن اعترافات مصورة لثمانية...

الفوضى في البحر الأحمر.. الأبعاد الاستراتيجية والمصالح المتشابكة

تمثل عمليات ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر ضد السفن...

العلاقة الخفية بين التوتر والسرطان.. ما الذي يقوله العلم الحديث؟

قبل قرابة ألفي عام، قال الطبيبان اليونانيان أبوقراط وجالينوس...

سفن حربية بلا قبطان

في خطوة تكنولوجية لافتة، تعمل شركة ناشئة تُدعى "Blue...

الحوثيون يفقدون 70% من ترسانتهم العسكرية في مأرب والساحل

في ضربة استراتيجية موجعة، أفادت مصادر عسكرية مطلعة بتدمير...

الكشف عن موعد الكلاسيكو المرتقب بين برشلونة وريال مدريد

كشفت رابطة الدوري الإسباني عن تحديد موعد قمة الكرة...

هل يعود كريستيانو رونالدو إلى ريال مدريد؟

فتح النجم الإسباني السابق فيرناندو مورينتس باب التكهنات حول...

مقالات ذات صلة

تصنيفات الاوسط