تشهد الساحة اليمنية والإقليمية تطورات مثيرة تكشف عن تعقيدات غير مسبوقة في تحالفات القوى المتصارعة، حيث أظهرت تسريبات استخباراتية حديثة تعاوناً خفياً بين بعض القيادات الحوثية وإسرائيل، بهدف تقويض المنظومة الصاروخية التابعة لإيران في اليمن.
هذه التحالفات، وإن بدت مفارقة في ظاهرها، إلا أنها تعكس واقعاً جيوسياسياً متشابكاً، حيث تتحول الأعداء التقليديون إلى شركاء مرحليين لتحقيق مصالح متقاطعة.
تصاعدت المواجهات بين إسرائيل والحوثيين منذ أواخر عام 2024، مع استهداف متبادل شمل صواريخ باليستية حوثية تصل إلى العمق الإسرائيلي، وضربات جوية إسرائيلية مكثفة على مواقع عسكرية في اليمن، مثل ميناء الحديدة ومطار صنعاء 18، غير أن ما كشفته تقارير “وول ستريت جورنال” وغيرها يشير إلى نجاح إسرائيل في اختراق الصفوف العليا للحوثيين، حيث قدمت معلومات استخباراتية دقيقة ساعدت واشنطن في استهداف مسؤولين حوثيين بارزين، مثل قياديي منظومة الصواريخ الإيرانية.
هذا الاختراق يُظهر تحولاً في استراتيجية إسرائيل من التركيز على الضربات الميدانية إلى استغلال الانقسامات الداخلية داخل المليشيا، خاصة مع تصاعد التوتر بين الجناح الموالِي لإيران وآخرين يسعون لتحالفات بديلة لضمان بقائهم.
الدوافع الخفية
رغم أن الحوثيين يُعتبرون “ذراعاً إيرانية” في المنطقة، إلا أن التسريبات تشير إلى أن بعض القيادات بدأت تبحث عن شراكات بديلة، خاصة مع تزايد الضغوط الدولية على طهران مع إنحسار أذرعها في المنطقة، كحزب الله والنظام السوري، ومليشيا الحشد الشعبي في العراق، ما جعلها ترى أن التعاون مع إسرائيل قد يمثل “مخرجاً آمناً” لقيادات تخشى تصفيتها من قبل إيران أو حتى من داخل الجماعة نفسها.
في ظل استهداف إسرائيل الممنهج للبنية التحتية العسكرية الحوثية، قد يرى بعض القادة أن التعاون مع تل أبيب وسيلة لتجنب الاستهداف الشخصي أو الحصول على ضمانات أمنية، وهذا ما تؤكده تقارير عن وضع قيادات حوثية على “قوائم الاغتيال” الإسرائيلية، ما يدفعهم للتفاوض سراً.
من جانب إسرائيل، يُعد هذا التعاون جزءاً من استراتيجية أوسع لقطع “الأذرع الإيرانية” في المنطقة، فإضعاف الحوثيين يُضعف بدوره محور الممانعة الإيراني، ويحد من تهديد الصواريخ الباليستية الموجهة نحو إسرائيل 9.
التداعيات
كشف الاختراق الإسرائيلي عن أزمة ثقة داخل الجماعة الحوثية، حيث بدأت حملات تصفية ضد المشتبه في تواصلهم مع جهات خارجية. تاريخياً، عُرف عن الحوثيين تطهير صفوفهم من “الخونة”، كما حدث مع قيادات سابقة اتُهمت بالعمالة، هذه المرة، قد تكون التصفيات أوسع نطاقاً، مما يهدد تماسك الجماعة.
الاختراق الإسرائيلي يمثل صفعة لإيران، التي تعتمد على الحوثيين كورقة ضغط إقليمية. إذا تأكدت خيانة بعض القيادات، فقد تضطر طهران إلى إعادة هيكلة دعمها، أو حتى اللجوء إلى إجراءات أكثر قسوة لفرض الولاء، مثل زيادة الرقابة المالية أو تعزيز وجود الحرس الثوري في اليمن.
استهداف منظومة الصواريخ الإيرانية عبر معلومات حوثية مسربة يُضعف القدرات الهجومية للحوثيين، ويحد من تهديدهم البحري في البحر الأحمر، الذي شهد تعطيل حركة السفن وإغلاق ميناء إيلات مؤقتا، هذا قد يدفع إسرائيل إلى تعميق تعاونها الاستخباري مع دول عربية وإقليمية لمواجهة التهديدات المشتركة.
سيناريوهات مستقبلية
من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة تصعيداً في استهداف القيادات الحوثية، سواء من قبل إسرائيل أو من داخل الجماعة نفسها، حيث تشير التقارير إلى أن واشنطن تخطط لتوسيع “بنك الأهداف” ليشمل مواقع تصنيع الصواريخ والطائرات المسيرة، وقيادات حوثية.
مع تصنيف الحوثيين كـ”مشكلة عالمية ومنظمة إرهابية”، قد يدفع الاختراق المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات أكثر صرامة أو دعم عمليات عسكرية مشتركة، مما يعقد الجهود السياسية لحل الأزمة اليمنية.
رغم أن التعاون بين قيادات حوثية وإسرائيل، يبدو انتصاراً استخباراتياً لإسرائيل، إلا أنه يحمل مخاطر جسيمة على الحوثيين. فمن جهة، قد يؤدي إلى تفجير الصراع الداخلي في اليمن وانهيار سلطة الحوثيين. ومن جهة أخرى، قد تدفع إيران إلى تصعيد دعمها لفصائل أخرى في المنطقة، كحزب الله، لتعويض الخسارة.
باختصار، ما بدأ كـ”لعبة استخباراتية” قد يتحول إلى حرب بالوكالة تُعيد تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط بأكمله.