تشهد الأزمة الإيرانية-الأمريكية منعطفاً جديداً قد يُعيد تشكيل معادلات القوة في الشرق الأوسط، مع إعلان مسؤول رفيع في الخارجية الإيرانية استعداد طهران لقبول عرض الرئيس ترمب للقاء قريب، وموافقة وزير الخارجية عباس عراقجي على لقاء نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس أو وزير الخارجية ماركو روبيو لبحث وقف إطلاق النار.
دلالات التحول الإيراني
يأتي هذا التطور في سياق دعوة ترمب للنظام الإيراني إلى “الاستسلام غير المشروط” وتقديمه شروطاً صعبة تتمثل في التخلي الكامل عن البرنامج النووي والقوة الصاروخية.
والسؤال المحوري: هل يُمثل الموقف الإيراني الجديد استسلاماً حقيقياً أم مناورة سياسية ذكية؟
التحليل العميق للموقف الإيراني يُشير إلى عدة احتمالات.. الأول، أن إيران تواجه ضغوطاً داخلية وخارجية هائلة جعلتها تُعيد النظر في استراتيجيتها.
الاقتصاد الإيراني يُعاني من عقوبات مُدمرة، والنظام يواجه احتجاجات شعبية متزايدة، فيما تتآكل شبكة وكلائها الإقليميين تدريجياً تحت الضربات الإسرائيلية المتواصلة.
حسابات القوة المتغيرة
الواقع الجيوسياسي الراهن يُظهر تراجعاً ملحوظاً في النفوذ الإيراني الإقليمي. حزب الله في لبنان أنهار سريعًا من الضربات الإيرانية، والحوثيون يتلقون من حين لآخر ضربات موجعة، إضافة إلى أنهم تحت ضغط متزايد من قبل الشعب اليمني الذي يتحين له الفرصة لطرد الحوثين من اليمن، فيما تشهد سوريا تغيرات جذرية قوضت النفوذ الإيراني هناك، هذا التراجع في “محور المقاومة” يضع إيران أمام خيارات صعبة.
لكن القراءة المتأنية تُشير إلى أن الموقف الإيراني قد يكون مناورة تكتيكية أكثر من كونه استسلاماً استراتيجياً.
إيران تاريخياً تُجيد لعبة المفاوضات المُعقدة، وقد تسعى لكسب الوقت وتخفيف الضغوط عبر إظهار “مرونة” دبلوماسية، دون التخلي فعلياً عن أهدافها الاستراتيجية.
سيناريوهات محتملة
السيناريو الأول يفترض أن إيران مستعدة فعلاً لتقديم تنازلات جوهرية مقابل رفع العقوبات وضمانات أمنية.. هذا المسار يتطلب تفكيكاً تدريجياً للبرنامج النووي المتقدم والحد من القدرات الصاروخية، وهو ما قد يُثير معارضة شديدة داخل النظام الإيراني.
السيناريو الثاني يُشير إلى مناورة دبلوماسية تهدف لتجنب الضربة العسكرية الأمريكية الوشيكة، مع الاحتفاظ بالحد الأدنى من القدرات الاستراتيجية.
إيران قد تُقدم تنازلات “شكلية” مؤقتة لكسب الوقت وإعادة ترتيب أوراقها.
التحديات الداخلية الإيرانية
النظام الإيراني يواجه معضلة حقيقية.. التصعيد العسكري قد يُدمر ما تبقى من الاقتصاد ويُهدد بقاء النظام نفسه، لكن التراجع الكامل قد يُفقده شرعيته الثورية ويُعرضه لانتفاضة شعبية.. هذا التوازن الحرج يجعل إيران تبحث عن “مخرج مُشرف” يحفظ ماء الوجه.
الخلاصة:
الموقف الإيراني الجديد لا يُمثل استسلاماً كاملاً بقدر ما يُعكس إدراكاً واقعياً لحدود القوة الإيرانية في ظل توازن قوى إقليمي ودولي مُتغير.
إيران تسعى للحفاظ على أكبر قدر من مكاسبها الاستراتيجية مع تجنب كارثة عسكرية محققة.
النجاح في هذه المفاوضات المحتملة سيعتمد على قدرة الطرفين على إيجاد صيغة تُحقق الحد الأدنى من مطالب كل منهما، وهو ما يتطلب مرونة استثنائية من كلا الجانبين في لعبة دبلوماسية بالغة التعقيد.