رغم الكشف عن التنسيق المسبق بين إيران وقطر قبل الهجوم على قاعدة العديد الجوية، يبقى ما حدث اعتداءً صارخاً على سيادة دولة عربية، ويكشف عن استراتيجية إيرانية خطيرة تستخدم الأراضي العربية كساحة لتصفية حساباتها مع الولايات المتحدة، دون اعتبار لسيادة هذه الدول أو أمن شعوبها.
انتهاك السيادة رغم “التنسيق”
الكشف عن أن إيران أبلغت قطر مسبقاً بنيتها شن الهجوم لا يلغي حقيقة أن ما حدث يشكل انتهاكاً فاضحاً لسيادة دولة عربية. فالتنسيق المسبق لا يمنح إيران الحق في استخدام الأجواء القطرية لتمرير رسائلها السياسية لواشنطن، بل يؤكد على عمق الأزمة التي تواجهها الدول العربية الصغيرة في التعامل مع الضغوط الإيرانية.
هذا “التنسيق” يكشف عن واقع مرير: إيران تتعامل مع الدول العربية باعتبارها مجرد أدوات في صراعها الجيوسياسي، وليس كدول ذات سيادة مستقلة. وحتى لو كانت قطر “موافقة” على هذا التنسيق، فإن ذلك يثير تساؤلات خطيرة حول مدى الضغوط الإيرانية التي تواجهها دول الخليج الصغيرة.
ما حدث في قطر ليس حدثاً معزولاً، بل جزء من نمط إيراني ثابت يستهدف تحويل الأراضي العربية إلى ساحات صراع مع أعدائها:
في العراق، تستخدم إيران الميليشيات الموالية لها لمهاجمة القوات الأمريكية والمصالح الغربية، مما يحول العراق إلى ساحة صراع دائمة ويقوض استقراره الداخلي.
في سوريا، حولت إيران سوريا إلى قاعدة عسكرية لتهديد إسرائيل ونشر نفوذها في المنطقة، مما أدى إلى تدمير البلاد وتشريد ملايين السوريين.
في لبنان، عبر حزب الله، تستخدم إيران الأراضي اللبنانية لتهديد إسرائيل، مما يعرض لبنان لخطر الحروب المدمرة كما حدث في 2006، و2025 .
في اليمن، دعمت إيران الحوثيين في حرب أدت إلى كارثة إنسانية، وحولت اليمن إلى قاعدة لتهديد السعودية والإمارات والملاحة الدولية.
الاستراتيجية الإيرانية
نعمل إيران على توسيع النفوذ عبر زعزعة الاستقرار العربي، وهي استراتيجية محكمة تهدف إلى تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال التالي..
استغلال الضعف العربي
تستفيد إيران من حالة التشرذم العربي وضعف الأنظمة الأمنية في بعض الدول لتوسيع نفوذها. الأزمات الاقتصادية والسياسية في دول مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن وفرت لإيران فرصاً ذهبية للتدخل.
اللعب على التوترات الطائفية
تستخدم إيران الورقة الطائفية لكسب الولاء، خاصة بين الأقليات الشيعية في الدول العربية، مما يخلق انقسامات داخلية تخدم أجندتها التوسعية.
“المقاومة” كغطاء للتوسع
تسوق إيران نفسها كقائدة لـ”محور المقاومة” ضد إسرائيل والولايات المتحدة، مما يكسبها شرعية شعبية في الشارع العربي رغم ممارساتها التوسعية.
التدرج في التصعيد
كما رأينا في الهجوم على قطر، تعتمد إيران على التصعيد المحسوب الذي يحقق أهدافها السياسية دون الوصول إلى حرب شاملة.
تداعيات خطيرة على الأمن القومي العربي
الهجوم على قطر، رغم “التنسيق”، يرسل رسالة واضحة لدول الخليج، أن إيران قادرة على انتهاك سيادتكم متى شاءت، وهذا يضع دول مجلس التعاون الخليجي أمام تحدٍ وجودي، خاصة مع تزايد القدرات الصاروخية الإيرانية.
تهديد الاستقرار الإقليمي
استخدام الأراضي العربية كساحة للصراعات الدولية يهدد الاستقرار الإقليمي ويعرض المدنيين العرب للخطر. المنطقة لا تحتمل المزيد من الصراعات بالوكالة.
تقويض السيادة العربية
الأخطر من كل ذلك هو تطبيع فكرة أن القوى الإقليمية يمكنها انتهاك السيادة العربية “بالتنسيق”، مما يخلق سابقة خطيرة قد تستغلها قوى أخرى مستقبلاً.
الرد العربي المطلوب
المطلوب موقف عربي حاسم يرفض استخدام الأراضي العربية في الصراعات الإقليمية، حتى لو كان بـ”التنسيق”. السيادة العربية خط أحمر لا يمكن المساومة عليه.
يجب على دول الخليج الاستثمار أكثر في أنظمة الدفاع الجوي المتطورة، وتطوير قدرات الردع الجماعي لمواجهة التهديدات الإيرانية.
ضرورة تحرك دبلوماسي عربي قوي في المحافل الدولية لفضح الممارسات الإيرانية وكسب الدعم الدولي لحماية السيادة العربية.
معالجة الأزمات الداخلية التي تستغلها إيران للتدخل، من خلال الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمصالحات الوطنية.
الهجوم الإيراني على قطر، رغم “التنسيق” المزعوم، يمثل تحدياً وجودياً للعالم العربي، ويكشف عن استراتيجية إيرانية منهجية لتحويل الأراضي العربية إلى ساحات صراع، وتقويض السيادة العربية تحت شعارات المقاومة والمحاور الإقليمية.
الرد على هذا التحدي يتطلب وعياً عربياً عميقاً بحجم الخطر الإيراني، وعملاً جماعياً لحماية السيادة العربية وتعزيز الأمن القومي العربي. فالصمت على هذه الممارسات، أو تبريرها بالظروف الإقليمية، يمهد الطريق لتكرارها وتوسيعها لتشمل دولاً عربية أخرى.
المطلوب ليس فقط إدانة الممارسات الإيرانية، بل وضع استراتيجية شاملة لمواجهة التوسع الإيراني في المنطقة العربية، والتأكيد على أن السيادة العربية خط أحمر لا يمكن تجاوزه مهما كانت الظروف والمبررات.